كيف أثنيت فيصل القاسم عن التقاعد؟
خاص ألف
2010-09-18
غَادَرَتْ زوجتي المنزلَ إلى عملها، فيما سلطانُ النومِ باسطٌ هيمنته عليّ، و بين الصحوِ و اليقظةِ، أخبرتني قبلَ مغادرتها أن عليّ النهوض متى عزفَ هاتفي المحمول أنغامَه التنبيهية، كي أجهّز ابنتي للذهاب إلى المدرسة، في يومٍ ليس كباقي الأيام، لا ينفعُ فيه تبريرٌ للتأخيرِ، و لا يجوزُ عنه الغياب، لأنه يومُ الامتحانِ.
عدتُ للنومِ، وكلي ثقةٌ بأنغامِ هاتفي وقدرتها الإيقاظية، و فعلاً، أطلقَ نشيدَه المقيت المعتاد، فإذا بها مكالمةٌ من بعيدٍ، من قطر، وقد أعلنتْ شاشتُه أنّ المتصلَ هو فيصل القاسم، معدّ ومقدّم برنامج الاتجاه المعاكس.
لم يبدُ في حالتهِ الطبيعيةِ، وكان أقربَ إلى ما يظهر عليه في البرنامج، إذ ألقى التحيةَ باقتضابٍ، واعتذرَ بسرعةٍ عن إيقاظي، وعاجلني فوراً بما يشغل باله:
ـ أخي قرفت، البرنامج مللني، وما في أمل ..
وحين سألته عن السببِ، لم يلبث أن خاطبني كما يخاطب أحدَ ضيوفه:
ـ السياسةُ بالوطنِ العربي ما منها أمل، وستين عمرو الواحد ما يشتغل، إلى ما هنالك ...من كلماته المعروفة.
طالبته بقليلٍ من الرويةِ، ليشرحَ سببَ حنقهِ وغضبهِ، فقال:
ـ مهنياً أحسُّ بأنني أكررُ ذاتي، و الموضوعات التي أطرحها برغمِ مسايرتها لبعض الأحداثِ و الهمومِ إلا أنها تدورُ في الفلكِ ذاته، كما أنها لا تؤثِّر في الواقعِ السياسي العربي.
وأردفَ بحنقٍ مفاجئٍ:
ـ يا رجل !! هناك عباراتٌ؛ من كثرةِ ما تَرَدَدَتْ في البرنامجِ أحسسّتُ أنني يجب أن أستريحَ منها، ومن الصداعِ الذي تسببه.
قلت له مهدئاً:
ـ فيصل أنت مبدعٌ، ولا خشيةَ عليك من الركودِ و التكرارِ، كل ما في الأمرِ نوبةُ مللٍ عارضةٌ، ستذهب وتعود إلى تألقك ..
لكنه بدا يائساً، وتعامل مع كلماتي كما يتعامل العاقلون مع مجنون، و أصرَّ على نيتهِ ترك البرنامج، وإن لزمَ الأمرُ ترك القناة، والتقاعد.
كان جلياً أنه يبحثُ عن التجديدِ، و لا أعرف كيف عَصَفَتْ بذهني فكرةٌ؛ حين أفْصَحتُ عنها بَعَثَتْ فيه سروراً لا يمكن وصفه.
قلت له:
ـ غيِّر وجهةَ البرنامج، وكفّ عن السياسةِ، وتحدَّث عن الدراما السورية.
قال و ملامحُ التفكّرِ وتقليب الفكرة باديةٌ في ثنايا صوته:
ـ معقول! معقول! ولكن عماذا نتحدث؟
أجبتهُ وشعورُ النصرِ يغزوني:
ـ تستطيع المحافظة على إثارة برنامجك، بل يمكنك أن تجعله أكثر إثارةً.
ـ كيف؟
ـ كلما سَمعتَ عن خلافٍ بين ممثلين سوريين، أو بين مخرجٍ وممثلٍ تستضيفهما، أو تستضيف من يدور في فلكهما من الصحفيين و المتكسبين و الأقرباء .. عائلةُ فلان ضدّ عائلةِ فلان، فعندنا الممثلُ أو المخرجُ تكون زوجته وأخوته وأبناؤه وبناته وأخوات زوجته و أحفاده كلهم دراميون، أو فنيون، أو عاملون في الكواليس، و في صفٍّ مقابلٍ عائلة الفنان الآخر. و شوف الإثارة...سيكون لديك كل ثلاثاء حلقةٌ مميزةٌ، و لن تعدم الضيوف و المواضيع، بل ربما يصير برنامجك يومياً، وليس أسبوعياً، وسيكون لك تأثيرٌ كبيرٌ، يكفي أن تنظرَ إلى الصحفِ و الفضائيات الأخرى في اليوم التالي لترى ما فعلته حلقتك.
واستحضرتُ له مثلاً عائلة الملا (أدهم وأبناؤه بسام ومؤمن وبشار وابن بسام وحتى حلاق الممثلين في الجزء الخامس من باب الحارة كان من عائلة الملا).
لفرطِ سعادتهِ بالكنزِ الذي عثرَ عليه بين كلماتي هتفَ :
ـ شكراً، اقترحْ لي أسماء!
وما أن هممتُ بنطقِ أول حرفٍ من اسمي مخرج و ممثّلٍ (شرشحوا) بعضهما حتى رنَّ الهاتف ثانيةً، منبهاً إياي لأمرين:
قم! انهض ! كي تجهز ابنتكَ للذهابِ إلى المدرسةِ، أما الثاني: أن كلَّ حديثي مع فيصل كان حلماً راودني بعدَ مغادرةِ زوجتي، سببه هاجسُ الاستيقاظ كي لا تتأخر ابنتي عن الامتحان.
ولم تتأخر.
حسان محمد محمود
[email protected]
08-أيار-2021
05-أيلول-2020 | |
23-أيار-2020 | |
04-نيسان-2020 | |
21-أيلول-2019 | |
هكذا تكلم أبو طشت ـ الجزء 5 كورنيش الشمس لدعم النقد الأجنبي. |
14-أيلول-2019 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |