Alef Logo
أدب عالمي وعربي
              

بعد الكارثة و قبل الكارثة قصة: دافيد بيس ترجمة:

صالح الرزوق

خاص ألف

2012-04-03

ي ظرف طارئ كهذا الزلزال، أقل ما يقال: إن الفن عديم النفع. و تجربتنا الحالية تساعد فقط على كشف الجدب المتوقع من النشاط الفني.
تعقيب على الزلزال- كيكوشي كان، 1923
***
بعد الكارثة عاش ريونوسوك لأربع سنوات إضافية.
وقبل الكارثة كان ريونوسوك في غرفته الخاصة في بيته بمدينة تاباتا التي تقع شمال طوكيو، حيث أنه طوال الصباح لم تتوقف الأمطار الخفيفة والرياح العاتية، بينما هو يقرأ التقارير من الصحف عن تشكيل الوزارة الجديدة برئاسة الكونت ياماموتو. وقبل الظهر بقليل، انتهى من المقال الأخير وأشعل سيجارة وهنا شعر بهزة بسيطة.
وبعد دقائق، بدأ بيته يهتز لدرجة عنيفة، ثم سمع صوت سقوط البلاط من السقف الذي فوقه وصياح أفراد العائلة من غرف أخرى تحته. ولكن الهزة لم تنخفض قوتها، كالمعتاد، واستمرت الحركة بالتصاعد. أطفأ ريونوسوك سيجارته. حاول الوقوف ولكن الأرض اهتزت ودارت من حول قدميه، ولذلك اضطر للجلوس وراء منضدته. ثم أخيرا كما يبدو انحسرت موجات الاهتزاز وتمكن ريونوسوك في النهاية من الوقوف والانضمام لعائلته التي كانت في الحديقة في العراء. وأسرعت إليه زوجته وأولاده وخالته والتصقوا به بقوة حتى خاف أن يقع، ولكنه قال بلهجة ذات معنى:" لا بأس. لا بأس بذلك". بينما ذهنه يفكر: كلا هذا ليس مطمئنا. وهو لا يزال في الحديقة تابعت الأرض تزمجر. واستمرت بالتمايل، وكانت تعلو وتقفز، حتى امتلأ الفضاء بالضباب من جراء الغبار والصياح و تحول الخشب إلى ذرات.
بعد الكارثة، ذكر السجل الرسمي أن زلزال كانتو الكبرى بدأ في 58 : 11 من قبل ظهر يوم السبت في 1 أيلول عام 1923، وتوقف بعد أربع دقائق.
بعد مرور الدقائق الأربعة فورا بدأت زوجته وخالته بإنقاذ المؤن الضرورية وأهم مقتنيات العائلة من داخل البيت. قاموا بتصفيفها في الحديقة. واقترحت زوجته أن يفعل المثل مع الكتب التي يعتز بها. عاد ريونوسوك إلى غرفته في البيت. كانت أشياء كثيرة قد سقطت أو تحركت من مكانها منذ آخر دقيقة جلس فيها على مكتبه. وضع أكواما من الكتب في مكانها. ورتب بعض الأوراق، ثم لبعض الوقت نظر حوله في الغرفة باتجاه مجموعة كتبه، وهو يتساءل ماذا ينقذ وبماذا يضحي: بودلير أم ستراندنبرغ، فلوبير أو دستويفسكي؟. ولكن ريونوسوك لم يرغب بالشعر. ولم يرغب بالمسرح. ولم تكن لديه رغبة بقراءة القصص والروايات. وإنما اختار مجلدا لفولتير ثم أعاده لموضعه. بعده اختار كتابا لروسو. وأعاده. وأخيرا حمل الإنجيل والبيان الشيوعي.
حملهما ريونوسوك معه إلى الحديقة. وقطع ورقة من نبات باشو. ومد الورقة على الأرض القذرة. ثم وضع الكتابين على الورقة الخضراء. نظرت زوجته وخالته إليه بازدراء. لم يكن بمقدور ريونوسوك أن يقرر هل قلقهما ناجم عن اختيار الكتابين أو من موقفه حيال النبات. أم لم يكن ذلك ازدراء. لعله الرعب -
صاح هيروشي، أكبر أبنائه، وهو يشير للسماء قائلا:" انظروا! انظروا! انظروا". ومن بوابة بيتهم المتربع فوق الهضبة، شاهد ريونوسوك وعائلته سحابات سوداء مكفهرة من الدخان تنبعث من نار تلتهب حاليا في الجزء المنخفض من المدينة. وعلم ريونوسوك وعائلته أنهم تخطوا أقسى لحظات الزلزال، والآن لم يتبق غير ألسنة اللهب المستعرة. سقط فانوس حجري من قرب البوابة وتحطم إلى أجزاء. جمع ريونوسوك الرخام المكسور. وجمعها بلباقة في كومة واحدة.
ثم اهتزت الأرض مجددا وانهارت الكومة. نظر ريونوسوك بإمعان إلى شظايا بلاط السقف ثم إلى الفانوس الحجري الذي انكسر إلى أربع أجزاء. وحاول أن يصحح وضع قاعدة الفانوس ولكن كانت ثقيلة ولا يمكن رفعها. فرفع الشظايا والأجزاء المبعثرة التي استلقت حيث سقطت على الأرض.
في أمسية ذلك اليوم، وصل أولا أخوه غير الشقيق برفقة عائلته. وتبين له أن أخاه غير الشقيق وأخته فقدا بيتيهما بالنار التي اشتعلت بعد الهزة. وكلا عائلتيهما الآن بلا مأوى. وباعتبار أن ريونوسوك هو أول مولود في العائلة ورأس هذه العائلة، فتح بيته لأخيه غير الشقيق ولأخته ولأسرتيهما. وفي وقت لاحق من ذلك اليوم الطويل، انضم إليهم من هونجو، وهي مدينة على الضفة الشرقية لنهر سوميدا، ابن أحد أقارب زوجته. كان يقف وعلى رأسه غطاء ليحجز الشرارات المتطايرة من النار الملتهبة، حينما ضربته زوبعة تسببت بها النيران ثم سقط في بركة حديقة ياسودا. وكان الوحيد الذي نجا من عائلة يبلغ تعدادها تسعة أولاد. قبل أن يسافر إلى تاباتا، عاش ريونوسوك وأسرته في هونجو. وكان ريونوسوك يفكر على هذا النحو: لو لم نبدل مكان الإقامة لا شك كنا في هذه اللحظة جميعا بعداد الأموات.
عادت الأرض للاهتزاز، وأعقبتها هزة تالية أقوى، ومجددا سقط المزيد من الرخام من سقف البيت، بينما كانت العائلة تعدو نحو ريونوسوك، وأخوه غير الشقيق و أخته و عائلتاهما يقفان بانتظاره بقلق. تمسك الجميع بقوة بابنه يوكاتا وخشي ريونوسوك من أن يختنق الولد بين أيديهم .
في تلك الأمسية، اتصل مختار الحي بريونوسوك وعائلته، وسأل ريونوسك هل كل أفراد أسرته بخير وعافية، و بيتهم آمن ولم يتهدم. ثم أخبر ريونوسوك أن قانون الطوارئ وجه كل رجال الجيش في طوكيو للتحرك، وكل من يخالف الأوامر سيتعرض لعقوبة بالسجن تصل لثلاث سنوات أو لغرامة تبلغ 3000 ين.
وسأل ريونوسوك باعتبار أنه مواطن صالح هل يرغب بالانضمام للجنة حراسة تشكلت حديثا، وهكذا لأنه مواطن غيور يستطيع أن يحرس الحي في هذه الفترة من المنغصات والاضطرابات. ووافق ريونوسوك فهو فعلا مواطن صالح. وفي الحال قدم له المختار خوذة من المعدن. ولأن ريونوسوك ملتزم بالتعليمات وضعها على رأسه.
في تلك الليلة، لم يتجرأ أحد على النوم في الداخل. وواصلت الأرض الارتجاف، وأقضت مضجع الناس وأعصابهم، بينما كان يبدو أن الهواء يخنقهم، بسبب الارتفاع الشديد للحرارة. وتابع الزوار بالتوافد - للاطمئنان على صحتهم، ولاقتراض النقود، ولأكل ما لديهم من طعام، وللشرب من مائهم، وللتشارك فيما لديهم من أنباء عن الخراب والحرائق - لقد احترقت هونجو كو بالكامل، احترقت كل هونجو كو، وشيتايا كو احترقت بالكامل، ومعها كوجي ماكي كو، ولكن القصر والمباني في جنوب حديقة هيبيا صامدة. والفندق الإمبراطوري والمنطقة الجنوبية على أتم ما يرام، أما النار فقد التهمت كويشيكاوا كو وضفة نهر إيدو.
واحترقت كل كيوباشي كو. وتقريبا كل شيبا كو، واحترقت أزابو كو جزئيا. أما أوشيغومي كو فهي آمنة. ويوتسويا كو شبه صامدة، بالمقابل أساكوسا كو احترقت كلها. ومعها نوهينباشي كو، واحترق نصف الطريق إلى مركز أكاساكا كو، واحترقت كل فيوكاجاوا كو - وتقاسموا أيضا الأنباء عن إشاعات حول العصيان والاقتحام، وأدانوا الاضطراب والسرقة، وتهامسوا عن جرائم واغتصاب وتبادلوا بعض الكلمات عن الموت والرعب الذي رافقه.
استلقى ريونوسوك على متكأ بين زوجته وابنيه، تحت سماء مشرقة بالنجوم، وقرب خوذته. وحاول القراءة في الإنجيل. ولم يتمكن من التركيز. فحاول القراءة في البيان الشيوعي. ومجددا لم يستوعب شيئا. السبب أنه كان يشعر كيف تواصل الهدير والعويل تحت الأرض. كأن دودة عملاقة ميكانيكية تقضم من المغارات والأنفاق ، وتدفع الأرض للأعلى، ثم تسحبها للأسفل معها. تخيل ريونوسوك كيف تدور هذه العتلات وتغوص عميقا وهي تبرم بتروسها داخل جسم هذا الوحش المصنوع من المعادن. ولكن فوق الأرض، كان بمقدوره أن يسمع كيف يواصل الزوار إلقاء التهم وتبادل الهمسات. سد ريونوسوك أذنيه بأصابعه، وسد عينيه بأصابعه، وانتظر بزوغ الفجر.
***
بعدالكارثة، وفي ذلك الصباح شعر ريونوسوك بالقلق على صديقه ياسوناري. كان ياسوناري يعيش في أساكوسا، وطوال الليل، ملأت كل الشائعات والهمسات قلب ريونوسوك بالرعب على مصير صديقه. فقد شاهد وجه ياسوناري الرقيق والحساس يتحطم وينطحن تحت ثقل مبنى، وكانت قامته الشاحبة والتي غارت منها الدماء حتى أصبحت جوفاء، تحترق وتتفحم فوق جبل من الجثث السوداء والمجهولة. وهكذا انطلق ريونوسوك إلى منطقة أساكوسا، دون أن يفارقه الشعور الثقيل بالتشاؤم مع درجة قليلة من الشك، بسبب قلقه على زوجته وأسرته.
لم تكن الرحلة من تاباتا يسيرة لعدم توفر عربات ولأن الطرقات كانت مسدودة بالناجين الذين ربطوا أولادهم على ظهورهم، وهم يدفعون بأكتافهم عربات سحب تكومت عليها أمتعتهم. كانوا جميعا يغادرون طوكيو، بالتجاه المعاكس لمسار ريونوسوك. وأعلن عن قانون عسكري يسمح للناس بمغادرة طوكيو ولكنه يمنع الآخرين من الدخول إليها، ولذلك وقف جنود ورجال شرطة عند كل زاوية. وتشكلت لجان مراقبة أيضا من مواطنين طيبين وشرفاء، وكلهم يحملون الهراوات أو المواسير ، العصي أو السيوف، وغالبا يرتدون الخوذات التي تشبه ما لدى ريونوسوك.
وهو في الطريق إلى أساكوسا، شاهد ريونوسوك هذه اللجان تسحب رجالا من بين صفوف الناجين وتدعي أنهم ليسوا يابانيين، إما بالدم أو بالروح، وهم لا ينفع بشيء. ومن غير تهاون، هذه الاتهامات تبعهتها ضربات من أعضاء لجان الرقابة بالهراوات أو القضبان ، بالعصي أو السيوف. وكان ريونوسوك متيقنا أنه لم يكن يرتدي الخوذة الجديدة وربما هو أيضا سيتعرض لمثل هذة التهم واللطمات. أو ما هو أسوأ.
وأخيرا وصل ريونوسوك إلى أساكوسا. أو إلى المكان الذي كان فيه أساكوسا. وهنا كان الدمار شاملا. حيث ترى ميلا بعد ميل أنقاض الحرائق والتي لا يزال والدخان يتصاعد منها. ابتداء من النهر في الشرق وفي كل اتجاه، وكانت الجثث مسجاة في كل المواضع. جثث متفحمة ومسودة، جثث نصف محترقة، جثث مكومة في المصارف الصحية، وجثث عائمة على مياه النهر، وجثث في أكوام و أكداس على الجسر، وجثث غيرها تسد منافذ الطرقات في كل منعطف وتقاطع.
كل أساليب الموت التي يمكن أن تخطر لإنسان كانت متوفرة. وفي كل مكان يمكن أن تصادف رائحة الموت، رائحة نتنة تشبه المشمش المتعفن، حتى بعد أن غطى ريونوسوك أنفه بمنديل، كان أنفه يحترق وعيناه تدمعان من شدة الرعب والأسى. وأخيرا، سالت الدموع وهو يتذكر الأشخاص والمكان الذي كان يدعى أساكوسا. مناطق السعادة القليلة، كلها احترقت، وأحواض وردة الصباح كلها ذبلت، كلها نفقت، ماتت.
شعر ريونوسوك بالقنوط على مصير ياسوناري. ثم، في نفس الدقيقة سمع صوت صديقه فاستدار نحوه، رمش بعينيه، ورمش أيضا، ومسح عينيه بمنديله وطرف برموشه. نعم!. نعم!. هذا صحيح!. هنا بين الحطام، بين الموت، كان ياسوناري حاضرا. حيا وبتمام صحته. تقدم منه بين الحجارة ، من وراء الدخان، وكان يتكلم بالرموز مع كون، وهو صديق آخر.
قال ريونوسوك:" حسبت أنك شبح. كنت على يقيت أنك ميت".
ضحك ياسوناري وقال:" كل شخص هو شبح في الوقت الراهن. شبح أو يتيم".
كان ياسوناري وكون في طريقهما إلى يوشيوارا ليشاهدا ماذا حل بالمنطقة القديمة المخصصة للمتعة. وألحا على ريونوسوك ليرافقهما. وهما يتابعان المسير في الأرض اليباب، لم يتوقف ياسوناري على تدوين كلمات في دفتر الملاحظات أو تدوين مغامراته ومشاهداته الأخيرة -
" في اللحظات التي أعقبت الصدمة القوية، وقبل أن تلتهم النار منزلي، استطعت إنقاذ سرير خفيف. وهكذا، نمت عليه في الحديقة العامة. وتمكنت من نصب منخل ضد البعوض. ولكن من سوف يزحف تحت هذا المنخل ليرقد بجواري غير زوجة مالك المنزل وابنها...".
ولكن حينما وصل الأصدقاء الثلاثة لحي يوشيوارا، خيم الصمت على ياسوناري وهو يواجه ما شاهدوا هناك.
بركة بينيتون تحولت في الوقت الراهن إلى صف من خمسمائة جثمان ميت، جثث تكومت على جثث، بعضها احترق وغيرها تعرض للسلق. وانتشرت الأثواب الحمراء كالطين على طول الضفاف، لأن معظم الأموات كانوا في حالة عناق. وقف ريونوسوك في البخور المنتشر، ومنديله يسد وجهه، وعيناه تنظران لجثة طفل ابن إثني أو ثلاثة عشر عاما. ثم نظر إلى السماء، عيناه تلمعام بين الدخان وأمام الشمس. ورغب لو يبكي، لو يشتم الآلهة: لماذا؟ لماذا؟ لماذا ولد هذا الطفل أصلا ، ليموت بهذه الشاكلة؟.
ومجددا، كما حصل معه عدة مرات من قبل، شاهد ريونوسوك خيال المسيح على الصليب ومجددا أيضا سمع الكلمات التي استحوذت عليه تقول: يا ربي، يا ربي، لماذا لم تشفع لي؟..
وقف بحذاء ريونوسوك ولد يافع وهو تقريبا بعمر الجثة. وكان ينظر بها. فتنهد بحسرة. وغض بصره. ولكن شقيقه الأكبر أمسك بوجهه، ووبخه قائلا:" انظر بحذر يا أكيرا. لو أغلقت عينيك أمام منظر مروع، سيستولي عليك الرعب للأبد. ولو نظرت بكل شيء بلا وجل، لن يكون هناك ما تخشاه لاحقا".
وفجأة، شعر ريونوسوك بعيني الولد الصغير مثبتة عليه. فاستدار ليبتسم له. وعندما تقابلت عيونهما، دفن الولد وجهه بين طيات ثوب شقيقه الكبير. وهنا استدار ريونوسوك على عقبيه وانطلق بعيدا. وخطر له: كان من الأجدى لو لاقينا حتفنا جميعا.
***
بعد الكارثة، وخلال طريق العودة إلى تاباتا، وتحت خطوط الكهرباء المتشابكة والمحترقة، قابل ريونوسوك رجل شرطة ورافقه. وبينما هما يسيران، سأله ريونوسوك عن تفاصيل الزلزال، وعن النار، وعن الشائعات المتعددة التي تناقلت أخبار الجرائم والفوضى والتي كما يبدو لا تزال تتساقط من كل فم، وتنتشر في الهواء كأنها رائحة مشمش متعفن.
ربما تأثر الشرطي بخوذة ريونوسوك، وأسهب بالجواب ولكن اعترف مع أنه يعرف عددا من الذين أدينوا بالعنف وأعمال التخريب والثورة ، لم يقع تحت يده أي دليل يثبت ذلك.
أمام محطة نيبوري، صادف الشرطي وريونوسوك جثة رجل مربوط بعمود، ورأسه قد تعرض للضرب، وجسمه تعرض للتشويه المقزز، مع علامة حول رقبته تدل أنه كوري وغشاش. لا شك أن الرجل مات على دفعات.
والآن بعد ساعات من موته البطيء، بينما ريونوسوك والشرطي ماثلان أمامه، اقترب عابر سبيل منه ليضرب جثمانه بلفافة. واستدار عابر السبيل لريونوسوك وللشرطي، وشكرهما على عملهما الطيب، ثم حياهما بانحناءة، وابتعد، وهو يؤرجح لفافته الدامية مع ابتعاد خطواته.
هز الشرطي رأسه، ونصح ريونوسوك بتوخي الحذر، وألقى تحية الوداع، وتابع طريقه.
بعد الكارثة، في الظلام، وقف ريونوسوك جامدا أمام جثمان الكوري، والأرض لا تزال تعلو وتنخفض. وبينما هو يحدق بالكوري وكل الأموات الآخرين، وبالمدينة التي تحولت إلى أنقاض، بمدينة الدخان، شاهد في كل مكان السيارات والدواليب، مفتوحة أمام الأرض، وأمام السماء، تدور وتبرم، تئن وتصيح.
هبط أربعة غربان على أعمدة كهرباء متجاورة. نظروا أولا للأجساد الميتة. ثم إلى ريونوسوك.
تخلص ريونوسوك من خوذته، وحنى رأسه. رفع الغراب الكبير منقاره الدامي باتجاه السماء ونعق مرة، مرتين، ومرة ثالثة ورابعة.
بعد الكارثة، ذكرت الإحصاءات الرسمية أن زلزال كانتو الكبرى بلغ درجة 7.9 على مقياس ريختر. وبدأ عام 11:58 قبل الظهر، من يوم السبت، في 1 ايلول 1923 ، وتوقف بعد أربع دقائق.
لم يؤمن ريونوسوك بالإحصاءات الرسمية. وكان واثقا أن الهزة لم تتوقف أبدا. وكان يؤكد أن الكارثة لا تزال في الطريق.. سيحين أجلها في وقت لاحق.

دافيد بيس David Peace : روائي بريطاني مولود في يوركشير الغربية عام 1967 . عمل بتدريس اللغة الإنكليزية في إستانبول عام 1991 ، ثم انتقل إلى طوكيو وأقام فيها بين 1994 و2009. من أهم أعماله ( العام صفر في طوكيو ) وقد صدرت عام 2007، وهي عبارة عن تأملات في نتائج الحرب العالمية الثانية بشكل تحقيقات في حياة قاتل محترف. له أيضا مجموعة من الأعمال التي تتابع تطور المجتمع الإنكليزي في منطقة يورك المعروف أنها مهد للطبقة المتوسطة.
من كتاب باللغة الإنكليزية بعنوان ( آذار صنعته الحكايات ). 2012.


تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

مقتطفات من : كافكا في المحاكمة الأخرى بقلم : إلياس كانيتي ترجمة :

17-نيسان-2021

قصائد مختارة لمارلين مونرو

03-تشرين الأول-2020

قصة / كانون الأول / كريستال أربوغاست

12-أيلول-2020

مدينة من الغرب اقصة : تميم أنصاري ترجمة

22-آب-2020

قصائد لهنري راسوف ترجمة :

20-حزيران-2020

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow