Alef Logo
أدب عالمي وعربي
              

رجلان قصة : ميهرنوش مازارعي ترجمة

صالح الرزوق

خاص ألف

2011-10-10


ما أن أفرغا أول قارورة حتى قال الرجل ذو الشعر الرمادي : " ذهبت كل الفودكا ".
" لا يزال لدينا زجاجة ويسكي ".
نهض الرجل الشاب باتجاه الخزانة ، و أحضر زجاجة ويسكي ، و ملأ كأسيهما ، ثم عاد إلى كرسيه و جلس عليها.
" هل سمعت شيئا من داريوش ؟".
" نعم. هو الآن في باريس. و جاء إلى برلين ليزورني ".
" ماذا يفعل في باريس ؟".
" يدرس في مدرسة اللغة صباحا و يقود سيارة عامة في المساء ".
" و ماذا عن عباس ؟".
" أي عباس ؟".
" الذي له شامة كبيرة على خده. كان زميل داريوش في المسكن ...".
" آه ، نعم. أطلق سراحنا معا من سجن الشاه قبل الثورة بأيام ".
و بعد صمت قصير ، قال الرجل العجوز : " استشهد في معركة مع الباسداران في السنة الماضية في طهران ".
خفض الشاب عينيه و حرك الزجاج في كأسه. و بعد قليل من الوقت ، قال بصوت حزين : " دعنا نقرأ قليلا من الشعر ".
" هل لديك شيئ لحافظ ؟".
أحضر الشاب كتابا لحافظ من الرف ، و وضعه على الطاولة أمام الرجل الكبير. فقال العجوز : " لماذا لا تقرأ منه بنفسك ؟".
التقط الشاب الكتاب ، و قلب صفحاته ، و بدأ يقرأ بصوت مرتفع. عندما فرغت الزجاجة الثانية ، قال العجوز : " ذهب كل الويسكي أيضا ".
رفع الشاب عينيه عن الكتاب ، و نظر إلى الخزانة ، ثم قال : " لدي بعض النبيذ ".
فقال العجوز : " هذا ممتاز. دعنا نفتح الزجاجة ".
" يجب أن لا نشرب بلا ضوابط ".
" هذا لا يزعجني ".
اختار الشاب ، و هو يتحرك بقليل من الاضطراب ، زجاجة من النبيذ من الخزانة و بدأ بفتحها. و قال : " انكسرت الفلينة ".
تفحص العجوز الزجاجة ، و قال : " لا أعتقد أنه يمكن إخراجها. ادفعها للأسفل".
ضغط الشاب على الفلينة المكسورة لتهبط في الزجاجة و ملأ كأسيهما ، بينما وضع العجوز شريط كاسيت في المسجلة. و هنا طافت الفلينة نصف المكسورة في الزجاجة. قال : " بصحتك ". و صدحت في أرجاء الغرفة موسيقا ناعمة.
شرب الشاب نصف نبيذه و قال : " انظر إلينا ، انظر إلى أين وصلت أحوالنا ".
ابتسم العجوز بمرارة ، و أخرج الفلينة نصف المكسورة من الطاولة ، و لعب بها بين إبهامه و الوسطى.
انتهيا من الزجاجة ، و هنا قال العجوز : " هل لديك المزيد ؟".
نظر الشاب إلى الزجاجة الفارغة و قال : " لمذا تنقلب الأحوال هكذا ؟. ألم نبذل ما بوسعنا ؟".
منحه العجوز نظرة متعاطفة و لم ينبس بكلمة.
فألح الشاب بقوله : " ألم نبذل كل ما بوسعنا ؟".
راقب العجوز الفلينة و هي تدور بين أصابعه. و لكن الشاب قال : " لمذا انقلبت الحال إلى ما هي عليه ؟". و انسابت الدموع على وجنتيه.
دمعت عينا الرجل العجوز ، و تخلص من نظاراته ، و قال : " لماذا لا تقرأ قصيدة أخرى ؟".
التقط الشاب كتاب حافظ و فتحه مجددا ، و نظر إلى أول غزال مرسوم على يسار الصفحة ، ثم قال : " فعلنا ما بوسعنا ". ثم رمى الكتاب جانبا. و حين توقفت الموسيقا قال الرجل المسن : " هل ترغب بنزهة على الأقدام ؟".
قال الشاب : " حسنا". غير أنه لم يحرك ساكنا.
" هيا ارتد معطفك. دعنا نذهب للحيد البحري ".
و نهض العجوز ببطء ، و بحث عن معطفه ، و أطفأ الأنوار. ثم هبطا السلالم معا ، و كان العجوز يعرج.
تأخر الوقت ، و لكن الناس تجمعوا حول أكواخ الكرنفال و المنصات على كلا طرفي شاطئ سانتا مونيكا. أحيانا كانت تنطلق أصوات البهجة من حول الأكواخ. في بعض المنصات ترى الدببة معلقة بعيونها الزجاجية المستديرة. توقف الشاب قليلا عند الملاهي لينظر للجياد الخشبية ، ثم سار وراء الرجل العجوز.
و في كوخ إطلاق النار ، توقف العجوز و قال : " هل تعرف كيف ترمي النار ؟".
قال الشاب و عيناه تلمعان : " بمقدوري أن أفك و أركب الأوزي بثانيتين ".
فقال العجوز : " كنت أسرع أفراد مجموعتي ".
فكرر الشاب أقواله : " أستطيع أن أفعل ذلك بثانيتين. كم كان عدد أفراد مجموعتك ؟".
" خمسة. كنا نعبر الحدود ليلا ...".
" كلهم إيرانيون ؟".
" كلا. فلسطينيان و إيرانيان و شخص واحد من نيكاراغوا ".
" في أية سنة ؟".
" ألف و تسعمائة و إثنتان و سبعون ".
تابع الرجلان حنى نهاية الحيد . ثم مال الشاب بظهره ليستند على السور. و لكن العجوز نظر إلى السماء. و قال : " كانت سماء لبنان حافلة بالنجوم المشرقة. غير أن السماء هنا معتمة و بلا نجوم ".
فرمى الشاب بصره نحو الأعلى.
قال العجوز : " قبل ليلة واحدة من الهجوم على العدو ، استلقينا أنا و النيكاراغوي على الأرض لنراقب النجوم. و سألني بمن أفكر. فشعرت بالخجل من الرد. لذلك قلت له : بأمي. فقال : أما أنا فأفكر بصديقتي. ربما لن نلتقي ثانية. أحببت ذلك منه. كم كان شجاعا. و رأيته يخرج صورة من جيبه و يتمعن بها لفترة من الوقت".
و هنا تخلى العجوز عن نظاراته لينظفها و هو يقول : " في تلك الليلة أطلق الإسرائيليون عليه النار ".
في مكان ما على الطرف الآخر من الحيد البحري رن ناقوس كنيسة إثنتي عشرة مرة ، فقال الشاب : " هل تفكر بالعودة ؟". و مال على ذراع الرجل المسن ، ثم سار بتكاسل. كان النور في كوخ الرماية مشتعلا ، و الدببة لا تزال معلقة هناك. تمعن الشاب بالكوخ ، و هو يجر العجوز من ذراعه و قال : " هيا . لنطلق النار ".
راقبه العجوز يضع ربعي دولار في الماكينة المربوطة ببندقية تنتصب فوق سرج ، كما لو أنه من راعي بقر في البراري. و عندما ضغط الشاب على الزناد كان العجوز قد انصرف و اختفى في الظل الكثيف.
ميهرنوش مازاري Mehrnoosh Mazarei : قاصة إيرانية. لها عدة مجموعات قصص منشورة بالفارسية و منها ( غريب في غرفتي ) و التي رشحت لأفضل جائزة في إيران مرتين. تعيش الآن في فالي سينتر بكاليفورنيا مع زوجها.
عن مجلة سرديات الأمريكية . عدد 2011

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

مقتطفات من : كافكا في المحاكمة الأخرى بقلم : إلياس كانيتي ترجمة :

17-نيسان-2021

قصائد مختارة لمارلين مونرو

03-تشرين الأول-2020

قصة / كانون الأول / كريستال أربوغاست

12-أيلول-2020

مدينة من الغرب اقصة : تميم أنصاري ترجمة

22-آب-2020

قصائد لهنري راسوف ترجمة :

20-حزيران-2020

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow