Alef Logo
مقالات ألف
              

حان الوقت لنتذكر تورغوت أوزال بقلم : إحسان داغي/ ترجمة :

صالح الرزوق

خاص ألف

2011-04-13

منذ 14 عاما مضت ، و في 17 نيسان عام 1993 ، فقدت تركيا تورغوت أوزال ، أحد قياداتها السياسية المجددة . لقد أصبح في تركيا عام 1989 أول رئيس مدني فعليا ، و استطاع أن يبدل تصورنا عن الرئاسة كبيت وحيد و شمولي للدولة. كان أوزال في رئاسته أقرب إلى الأمة من بيروقراطية الدولة ، و هذا أكسبه محبة و تعاطف أفراد الشعب ، حتى أنه بنى الجسور بين الضفاف التي تفصل الفقراء عن الأثرياء ، و الأتراك عن الأكراد ، و المدينيين عن أبناء الضواحي. غير أن البيروقراطية الكمالية بامتداداتها الإيديولوجية و من خلال وسائل الإعلام لم تكن إلى جانبه. و السبب بسيط جدا : كان أوزال شخصا عقد العزم على تغيير نمط العلاقة بين الدولة و المجتمع في تركيا. و كانت حكمته المأثورة في منتهى السهولة و غاية الليبرالية : الدولة في خدمة الشعب ، و ليس العكس. و إن هذا السلوك التحرري فيما يتعلق بأولوية الجماهير مقابل الدولة يعتبر حدا ثوريا في تركيا. حيث كانت الدولة ( و بيروقراطيتها ) فوق الناس ، و كانت موضع مهابة يصل إلى درجة الذعر و الإقصاء.
برز الرجل أولا كمهندس لبرنامج الإصلاحات الاقتصادية منذ بواكير الثمانينيات ، و قد دفع بعجلة تركيا و استراتيجيتها التنويرية ، و وضع الأسس لانفتاح الاقتصاد التركي على الأسواق في العالم. و ترافق ذلك مع أثر عميق على السيرورة الاجتماعية و السياسية خلال السنوات اللاحقة. و إن تأكيد أوزال على السوق و الشراكة ، أطلق العنان لحركة مدنية بدلت وجه تركيا ، بالاعتماد على مصادر و رؤوس أموال خاصة صاعدة من قلب المجتمع و ليس على استثمارات الدولة.
و في عام 1983 احتل مركزا أساسيا بصفته القائد لحزب سياسي جديد ، هو حزب الوطن الأم ( ANAP ) ، و الذي استطاع أن يفوز باقتراعين متتاليين في عام 1983 و عام 1987 . كان أوزال ، و هو يشغل منصب رئيس الوزراء منذ 1983 و حتى 1989 ، و حينما تبوأ منصب الرئاسة إلى حين وفاته في عام 1993 ، الرمز السياسي الوحيد ، و الذي تمكن بأفكاره و برامجه و مشاريعه و بـ " رؤيته " المتميزة أن يهيمن على السياسة التركية ، و أن يؤسس لعملية تحرير الأزمات الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية. و كان عقله الإصلاحي و أفكاره المبتكرة و أسلوبه قد جهزوا الأرض لتثوير تركيا في أيامه ، و أرسوا دعائم عديدة لحوارات نسفت البنية الفكرية التقليدية في عدد من المسائل ، و من ضمنها المشكلة الكردية و علاقة القطاع المدني مع الجيش و العلمانية ، إلخ...
لقد قاد أوزال انتقال تركيا إلى حكومة مدنية في أعقاب النظام العسكري ( 1980 – 1983 ). و هكذا تم اختصار أثر الجيش على العملية السياسية ، و استمر ذلك طوال إمساك أوزال بزمام السلطة. و عندما تقدم بطلب الانضمام إلى عضوية المجتمع الأوروبي ( EC ) عام 1987 ، كانت دوافعه شديدة الوضوح : " لو رغبنا بمنع قيام انقلاب عسكري آخر في تركيا في المستقبل ، يجب أن نحمي أنفسنا بعضوية الـ EC ".
و يعود الفضل لأوزال في فرض أفكار تقلل من أعباء " دور الدولة " و التنافس العالمي و اقتصاد السوق و الخصخصة ، و ذلك حينما صعدت موجة " اليمين الجديد " في أرجاء العالم. و كان أيضا مشاركا في تعميم الليبرالية السياسية بأفكاره عن " الحريات الثلاثة " : " ( حرية التعبير ، و حرية المعتقد الديني و الانتماء و حرية الاستثمار ).
و كان قد روّج لفكرة " الدولة الخدمية " كرد يتحدى به منطق الدولة التقليدية و بنيتها. و كان فهمه للإسلام و العلمانية مختلفا عن مفاهيم أنصار الإسلام و العلمانية على حد سواء. لقد كان محافظا و حتى أنه متدين و لكن بطريقة معاصرة . و كان مناصرا للغرب و لكن مع الاحتفاظ بالخصوصية و الحرية. و كانت لدى أوزال أفكار غير تقليدية عن مشكلة الأكراد ، و أكسبه ذلك زمرة من الأنصار و المناوئين : و أصبح مشهورا بين عموم أكراد تركيا.
و أيضا قاد أوزال تركيا في فترة عصيبة من نهايات الحرب الباردة. انهيار الاتحاد السوفياتي ، و حرب الخليج ، و حرب البوسنة. و تم الإقرار بزعامته خلال فترة المحنة التي عصفت بالبلقان و القوقاز و وسط آسيا ، و خلالها كان تأثيره يتوسع إلى ما وراء حدود تركيا ، حتى أنه ترك علامة لا تخطئها العين على منطقة أوراسيا.
و باختصار : كان أوزال زعيما سياسيا استثنائيا ، و بأثر قلما لاحظناه في السياسسة التركية. و في ( 14 نيسان ) تتذكر رابطة أوزال الفكرية هذا الرجل من خلال مؤتمر يعقد في الجامعة التركية للاقتصاد و التكنولوجيا ، و هي الجهة المانحة لأول جائزة باسم أوزال في مجال الديمقراطية ، و حيث لا تزال تمنح جائزة أوزال في الاقتصاد.
هذا هو وقت التذكير بأوزال ، تاسع رئيس لتركيا ، و الذي كان مسؤولا عن ترتيبات الموجة الثانية من " ثورة التحرير " في هذا البلد ، و في الوقت الذي نعاني فيه من ردة معاكسة تقوم بها الثورة المضادة بحجة حماية االجمهورية. لقد كانت ثورة أوزال التحررية هي التي أطلقت العنان للتحولات الاجتماعية من أجل الحكم الديمقراطي ، و هي التي منعت ( اجتماعيا ) الثورة المعاكسة من الالتفاف على الديمقراطية و محاصرتها ببقايا الشعائر البيروقراطية و الشمولية.
إحسان داغي : أستاذ العلاقات الدولية في جامعة الشرق الأوسط للتكنولوجيا في أنقرة . و هو محرر لمجلة ( رؤى تركية ) التي تهتم بالشأن السياسي التركي و الدولي.
- الآراء الواردة في المقالة تعبر عن رأي الكاتب و ليس المترجم. و الترجمة بالتنسيق مع الكاتب و بإذن خطي.
المصدر :
Time To Remember Turgut Ozal, by : Ihsan Dagi. In : Turkey Between Democracy and Militarism. Orion Press. Ankara. 2007 . p.p. 201 – 203 .

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

مقتطفات من : كافكا في المحاكمة الأخرى بقلم : إلياس كانيتي ترجمة :

17-نيسان-2021

قصائد مختارة لمارلين مونرو

03-تشرين الأول-2020

قصة / كانون الأول / كريستال أربوغاست

12-أيلول-2020

مدينة من الغرب اقصة : تميم أنصاري ترجمة

22-آب-2020

قصائد لهنري راسوف ترجمة :

20-حزيران-2020

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow