غريب عسقلاني – مقاربة نقدية / يسرا الخطيب.. وعطش البحر..
2009-05-08
قراءة في قصص والبحر يعطش أحيانا للشاعرة والقاصة يسرا الخطيب "
عتبة الدخول
ما أن تطأ عتبة الدخول للمجموعة القصصية " والبحر يعطش أحيانا.." حتى تقع في حالة من اللهاث الحميد تواصلا مع الشاعرة والقاصة يسرا الخطيب, وتدرك منذ البداية أنك أمام كاتبة تجاوزت تأتأة البدايات وقطعت أشواطا في التفاعل مع أرق الكتابة, يحدوها هاجس التميز والإضافة, ووضع بصماتها الخاصة في ملعب السرد القصصي, متكئة على اطلاع كافٍ على تجارب الآخرين, وقابضة على أدواتها بثقة, يظهر ذلك من خلال قصص تنفلت كرشق السكين لفصد الخبائث عن جسد الحياة ونصوصاً أخرى ممتدة توفر مساحات للوصف والتأمل والتفاعل والتداعي واختبار الرغبات والشهوات الإنسانية..
وتقع المجموعة في 120صفحة من القطع المتوسط, وتنتظم النصوص تحت عنوانين جامعين يضم الأول قصص حافة الانتظار وهي نصوص اختبار الذات الفردية في ظل الوجع العام, من خلال سبر أغوار الذات بهدف المصالحة مع المحيط/الواقع الضاغط لدرجة النزف والانفجار, ويضم العنوان الثاني قصص أوراق ملغومة, وهي نصوص مواجهة دامية من خلال الصراع مع الآخر المحتل المغتصب من, ومع أعراف وتقاليد وثوابت تزيد من حلكة السواد لدرجة غبش الرؤيا..
والمتتبع لنصوص المجموعة يدرك وعيا مسبقا لدى الكاتبة لتقديم بانوراما سردية تعرض لمكابدات الفلسطيني المرجوم بوطنه في حالة سيزيفية يعيشها مشبوحا بين حدي المقاومة والحصار, شاخصا نحو التحرر و الانعتاق.
رشق السكين وتوقيت انفجار اللحظة
في نصوص قصيرة أو قصيرة جدا يبدو ولع الكاتبة وتمكنها من اختزال زوائد القص وترهله والذهاب إلى نحو ما تريد ببراعة في اختيار زاوية التقاط الحدث, أو لحظة التوتر النفسي, أو التماهي بين الذات/ المركز والمحيط/ المجتمع, أو المفارقة, أو الهروب إلى الحلم وتيار الوعي.. تلقي بمقذوفها القصصي على صورة متفجرة فنية تستمد عناصرها من الارتفاع قليلا عن ما يحدث في الحياة لتعيد تأويل الحياة كما تراها هي, أو كما تريد لها أن تكون, يساعدها على ذلك لغة شاعرة محملة بالشيفرات, وجملة قصيرة متوترة تبتسر الأفعال وتحوصل الحالة في بؤرة زمكانية أو فضاء نفسي تزاحمت طبقاته فتمرد على الانضغاط تحت سطوة قهر ما أو خلل ما وخرج على صورة نص نابض بالإشاراتوالرموز وبالتوهج الفني النافذ أيضا.. فنرى في
قصة وعادت إلى مستقرهارؤية عميقة لغريزة التلاشي من أجل الحضور من جديد من خلال وصف قصير وأخاذ لغيمة صغيرة تحث الخطى نحو الاندماج بغيمة حبلى تستدعي البرق للهطول مطرا يعود إلى الأرض رحم الحياة الأول..
وفي قصة قانون الطبيعةمقارنة شفافة بين عصفورة ترقد على بيضها في مكان ضيق بانتظار خروج أفراخها لتواصل ديمومة الحياة, وبين الراوية/ الكاتبة التي تراقبها و تستنكر قيود ذات المكان الذي يقضي على التواصل مع الحياة.. فهل هي إشارة بالكمون حتى حافة الموت من اجل الانبعاث من جديد!!
وفي قصة لم يكن العود أحمدتطلق السؤال / القذيفة على لسان أم عادت إلى الوطن ونذرت ابنها للدفاع عنه حتى التحرير.. ولكنه يقضي برصاصة عمياء في الاقتتال الداخلي فيصبح سؤالها مشروع ومؤلم:
"- من هو عدوي؟
هل هو من اغتصب ارضي أم أن حب الوطن أصبح عدوي وقاتل ابني!!"
هو صوت الكاتبة تطلقه بذكاء في وجه من يشعلون نار الاقتتال
وفي قصة العشاء الأخيرنقف أمام نزف الحياة المتواصل مع مفارقة الحاجة, ففي ظل الحصار يُقطع التيار الكهربي مما يعرض مخزون الأسرة المحفوظ في الثلاجة للتلف, فلا تملك ربة البيت غير طهي كل ما ادخرته وتقديمه مجبرةلأولادها, وجبة غير عادية وشهية ربما تكون العشاء الأخير في مواجهة القصف الذي أصبح ظاهرة يومية, والجوع الذي تربع في أحضان بطالة مقيمة, وكأني بالكاتبة تستدعي تناصا مع العشاء الأخير للسيد المسيح قبل عذاباته في درب الآلام.
أما في قصة طفل مسلح,تقدم الطفل الفلسطيني في حالة اغتراب عن طفولته, فنراه يجوس في الخراب الذي خلفه القصف ليصنع بندقيته الخشبية من ما تيسر من نفايات محروقة تحمل أثار العدو على جلود المكان والسكان.. وتتحول صبابة الطفل إلى إتقان التدريب على بندقيته استعدادا لمواجهة العدو.. أي عالم يحاصر الطفل وأي أشواق تغزو عليه عوالم التخيل؟؟؟!!
.. انه الوقت الفلسطيني الذي يقدم مفردات تتجاوز حدود المخيلة..
وفي قصة الخطوة الأولىيصعد الطفل عن خجله من مرافقة أمه له في الذهاب إلى المدرسة, فيدخر من مصروفة اليومي ما يكفي لتوصيله عند مفارق الاشتباك(نتساريم ), ويتقدم حاملا الراية بطلا مغوارا, لكن رصاصة حاقدة تقصف عمره عند الخطوة الأولى..
ولعل المرأة في قصة ليست كالخنساء, لم أم أيمن تفارق بوابة المدرسة وترفض أن تصدق أن طفلها تسلل من المدرسة, وقضى في اشتباك غير متكافئ, فاختارت انتظار الذي لن يعود.. لكن هل يعود جودو الفلسطيني يوما..
وفي قصة فأر وما زال مراوغا ًإسقاط ذكي على الصراع العربي الصهيوني فنرى الساردة الكاتبة ترفض إنشاء علاقة مع فأر تسلل إلى بيتها ونغص عليها حياتها وفشلت كل أساليبها في اصطياده, وأمام العجز عن القضاء عليه تقف أمام سؤال الإمكانية والمتاح:
هل تختار التعايش معه؟
ولكنها تقطع بالجواب الصارم الذي يجعل من المعركة مفتوحة وبلا هوادة..
فضاء التأمل وصراخ الأنين
لا تكتفي كاتبتنا الشاعرة باستدراج عصافير اللحظة, وتزويدها بحنطة الدهشة, وإطلاقها من جديد عبر رسائلها السردية, ولكنها في معالجات أخرى تمارس استنشاق بخار اللهاث والاحتفاظ به في دواخلها طويلا, وتمارس طقوسا من صراخ خافت تفيض تأملا وتداعيا وبوحا مع واقع اختلت شروط توازنه, وتمزقت أشرعته, وصار نهبا لعواصف الفصول ومواقيت النّوات العاتية.. تمتح منه اللهاث لتطلقه زفيرا حارقا مرة ودامعا مرة أخرى, ومبهوظا بالفقد مرات.. كما يظهر في النصوص الممتدة..
ففي قصة والبحر يعطش أحيانا, نرى الراوية / الكاتبة, في حوار رائق شفاف ومصالحة نفسية وتوق للتوحد مع كل جميل ومعطاء هروبا من مناخ الالتباس في غزة المسروقة بين الجفاف والموت العشوائي, فلا تجد غير البحر ملاذا للحقيقة, ذلك الذي يأخذ ويعطي منذ الأزل, نراها وهي تقف عند لحظة بينالصيف والشتاء مبهورة بالمطر الأول.." تأسرني خطوات المطر الأولى على زجاج نافذتي لتنقلني من قحط الصيف إلى حنين الشتاء, وعشق رائحة الأرض حيث تمتص القطرات بشوق غريب.."
هذا البحر الذي يهب الغيمة حمولتها من ماء يصعد عاليا ويمضي في رحلة سحرية ليعود في فصل قادم مطرا, وكأن الغيمة تحدس بوشيجة الأمومة عطش البحر لها, ما يأخذ كاتبتنا إلى سؤال وجودي حول عطش الماء للماء
- هل يعطش البحر أحيانا
وكأني بها تقول أن البحر في غزة يعاني عطش الحياة كما بقية الموجودات في زمن الجفاف..
ولكن الماء في قصة من يكتبني بساعات الفجر الأولى, يأتي مختلفا مع المطر الأول ولهفة استقبال الحياة بعد طول انتظار, فالراوية/هي, مصدورة تخشى برودة الشتاء وتكتفي بمراقبة المشهد من خلف زجاج نافذتها, مخترقة ضباب الغبش الذي يتراكم عليها حاجزا عنها عرس الطبيعة, وهنا إشارة إلى غزة المسروقة في موسم المطر, لكن الراوية تفتح مساحات روحها"الأمل" مأخوذة بسحر الحالة رغم دمعة الفقد التي سالت على صفحة خدها..
وفي قصة و القطة متهمة,رصد لحالة من الضعف الإنساني من خلال تداعيات صريحة لامرأة وحيدة عاصفة راعدة مطرزة بقصف جوي مكثف, يتخلله أنين خافت ينبعث من الخارج تحت نافذتها, ولأن الخوف غريزة مشروعة مزروعة فينا تحت طائلة حالة محتملة تأتي بالأرق.. تمضي بطلة القصة الليل مع هاجس احتمال أن يكون صوت الأنين الذي يصلها صادر من جريح ناله القصف أو ربما هو مزيج من تداخلات الرعد مع القصف, حتى إذا من انبلج ضوء النهار وفتحت النافذة لتجد قطة لفظت آخر أنفاسها..
لماذا اختارت القصة الموت تحت نافذتها؟ هل لتسجيل إدانتها وعجزها, أم لتلقي بيان الخوف والذعر الساكن في الراوية التي هي أيضا مثل القطة لا قدرة لديها على رد النوائب, وهنا يسقط الاتهام لكائنين ضعيفين أمام غريزة حب البقاء, فالموت في الحرب محبط وكريه..
وفي قصة أنا وكوابيس غادة, تقول الكاتبة أن تقرأ عن حالة شيء وأن تعيش الحالة المماثلة شيء آخر, أن تقرأ عن معاناة سبقت معاناتك وهو أمر قلما يحدث مثل ما حدث بين يسرا وغادة السمان التي عاشت وسجلت كوابيس السبعينيات على صدر بيروت الجميلة إبان الاقتتال الداخلي, ويسرا تعيش كوابيس الفزع اليومي في غزة بين عتمة وظلمة, وبين خوف وموت, وبين قصف واجتياح واقتتال داخلي لا يكف عن الاصطياد وتقديم الذرائع..
غادة عاشت عبث الاحتراب ودفعت ضريبة العيش مع الموت, ويسرا تعيش مفارقة اللاتكافؤ وتدفع الثمن باهظا ومضاعفا..
قد يرى البعض شيئا من تناص بين كوابيس بيروت وكوابيس غزة, ولكني أرى فيها ما يشبه الاستنساخ المكثف بفعل تطور أدوات الحرب واحتقان شهوة الموت في معادلة حديها الطرف الآخر واضح الأهداف والإمكانيات والقدرة على الهجوم والطرف المستهدف "نحن" الذين نعيش التعثر والانقسام وضبابية الفكرة وغبش الرؤية مع بوصلة تدور خارج مدار جاذبية الحالة, واعتقد أن تلك رؤية الكاتبة حتى شهقة الموت حول سؤال المقاومة.. متى وكيف وأين وبأي الوسائل والأدوات. وإلا سيأتي من يسجل كوابيسا جديدة تصبح معها ما سجلته غادة ويسرا مقدمات أولية للسير نحو جب العدم..
ولعل ذالك ما ترهص به في قصة وقرع الجرسمع طابور الصباح في المدرسة والطالبات يعشن حالة خشوع مع النشيد الوطني الفلسطيني, والقصف الجوي الأرعن متواصل بوحشية, وما بين الخشوع والذعر تختار أحد الطالبات السقوط في المكان, هل هي من اختار الموت أم هو الموت الذي خطفها عن سبق إصرار وترصد؟؟ّ صرخة مبهوظ تقترب من هياج الجنون..
وأمام سؤال الفجيعة تلوذ الكاتبة بهواجسها
في قصة لمن يهمه الأمروتؤنسن حجرا ملقى تحت أنقاض مستوطنة إسرائيلية ما يقرأ عليها سيرته مع الأطفال والشباب والرجال الذين حملوه ورافقهم مشاوير النضال والتصدي طائرا معهم من مكان إلى مكان, يتعلم منهم الزهو والانتصار والخوف والحذر.. وكنه الآن يقبع تحت الأنقاض منسيا بانتظار يد تلتقطه أو حتى قدم تدحرجه وتعيده إلى أزقة المخيم ليبدأ دورة جديدة من المواجهة..
هل هو خيار الكاتبة وموقفها من تحول انتفاضة الحجر إلى انتفاضة مسلحة غير متكافئة يدفع الجميع ضريبتها حتى الحجر..
سؤال تطلقه الكاتبة نوعا من رد الجميل لدور الحجر..
وامرأة عند حافة الانتظار
تأخذ المرأة/ الكاتبة دور الراوي العليم تارة ودور الراوي الضمني تارة أخرى ما يوحي أن السرد ينطلق من زاوية نظر نسويه. فهل ما تقدمه يسرا الخطيب بوحا أو عرضا لشهوات المرأة ورغباتها كما هو الحال في نتاج بعض الكاتبات؟
في تقديري أن يسرا الخطيب قفزت عن شهوات الجسد إلى اختبارات عذابات الروح في بعض نصوص المجموعة, تعكس في بعض النصوص حالات التوجس والخوف والتردد الذي يعتريها ويربك خطواتها..
في قصة نقطة الصفرتبدو عاجزة عن الانطلاق لأن قدميها ماتتا في المكان, ولم يعد للزمن قيمة بسبب تسلط المحيط بقيمه الجامدة التي لا تستجيب لصيرورة الحياة..
وفي قصة ضدان يفترقان بعد طول معاناة ومراوغة, فهو يفسر هروبها بالرفض, وهي تفسر اندفاعه بالتهور, وعندما يختبران حقيقة مشاعرهما صارت تشتاق لهجومه واختراقاته, ولكنه ما زال حائرا في سر صمودها أمامه!
فهل في ذلك مقدمة لبداية جديدة ناجحة؟!
وفي قصة عصي على النسياننراها وقد " نمت بين جوانحه رغم إرادته تخترق مساماته وتحتل ذاكرته " ولأنها الحقيقة البريئة فإنها تمتطي صهوة الهروب منه إليه, وتصبح أحجيته التي يقاومها ولكنه يصبح غريقا في دوامة تردداتها..
وفي قصة لها قمر مختلف, تنتظر القمر ليلة منتصف كل شهر قمري لكنه يتوارى خجلا من عذاباتها, وعندما تهيأت في الشهر التالي للوصال دخل القمر تحت وطأة الخسوف!!
هل هو الخسران أم هو الحلم بقمر مستحيل!
وفي قصة نجمة هاربة" تنتظر خيوط القمر, حيث تعانق بقايا غمامات شاحبة كشحوب وجهها المتعب.."وعلى عادتها تنتظر نجمة لم تأتِ بعد, بوح يعكس ترقب الأمل/ الحبيب الذي توارى خلف غمامات الانتظار..
فهل تلوذ بالحلم أم ترتد إلى بنفسج الذاكرة
كما في قصة صور ملحةيوم كانرجلها " الذي انطبعت صورته بين حناياها ولم تفارق عينيها" هل تعود إلى لوحتها البيضاء لتختبر قدرتها على عكس الوجوه من حولها بانتظار طيفا قادما,لأن ألوان طيفها لا تتساوق مع ألوان هذا الزمن..
وإسقاطات الهواجس عليه أيضا
في المجموعة نصوص قليلة يكون فيها الرجل بطلا ساردا أو شاهدا على الحالة, وفي هذه النصوص نلمس ذات الأسئلة التي تراود الساردة المرأة, فهي لا تحمله الخطأ وتعتبره مسئولا عن الخطايا مثل ما يظهر في بعض الكتابات النسوية, وإنما تقدمه مصارعا شريكا وموازيا في مواجهة مكابدات عسف وظلم الواقع الذي يحاصرها ويحاصره, لذلك نراها حانية عليه أو باكية من أجله, وكأنهامنسوخة منه لتعود إليه بدوافع التوحد والتكامل..
فتقدمهفي قصة طفل كبيرشاخصا نحوالتميز عن مجا يليه, يسبق عمره ولا يشاركهم ألعابهم ويكتفي بمراقبتهم وعندما يصبح أبا يدرك معنى أن يفقد الإنسان طفولته فيعود إليها بلذة مبتورة من خلال مراقبته لأطفاله وهم يلعبون بفرح لم يعيشه يوما
وفي قصة أرقام ميتةنرى بطل القصة" هاربا من عالم يلتهم هدوءه ويعيث بساعاته ودقائقه الفوضى والضجيج" يقف أمام الحقيقة التي تفرض وجودها عليه مهما حاول الإفلات منها الذي يواجه ضعفه وتخليه عن من أحبها وأخلصت له ولم يبق له منها غير أرقام هاتفها تقف له بالمرصاد وترجمه بالتقاعس والخذلان والنكوص.. تحملق فيه من قرص الهاتف مثل عيون الحقيقة تتحداه أن يعود إلى ملاذه ".. ضع أصبعك في تلك العيون الجاحظة في مخيلتك..افقأ عيونها المحملقة بشراسة تلتهم هدوءك.." يصعد على تردده ويحرك قرص الهاتف فيسقط في فرار الهزيمة, حيث يأتيه صوت ألي صارم يعلن القطيعة:
- عذراًً الرقم المطلوب غير موجود بالخدمة
منذ متى أخذت قرارها بالقطيعة؟!
وفي قصة هو والبحريرنو إلى صدر الماء يلاحق مساحات الماء الممنوعة على بعد خمسة كيلومترات, بقرار من الاحتلال الذي صادر حتى الماء.. يكتفي بالجلوس على الشاطئ شاخص في المدى يراقب تراتب الأمواج الآتية من الماء العميق إلى الشاطئ بين مد وجزر وموت وحياة, لا يبقى له منها غير دبيب النشوة في قدميه العاريتين معلنة خلود الأشياء في الوقت الطارئ..
أما في قصة زلة لساننجدها موزعة بين الغفران والغضب على مناضل يترك زوجته وطفلته بسبب مطاردات العدو, ويتزوج من أخرى وينجب منها بنت تعيش في كنفه وترضع عطفه وأبوته وعندما يعود بعد طول غياب تلوذ الزوجة بحرمانها وتغفر له فزواجه من ضرورات صموده وبقاءه, أما ابنته التي صارت صبية طالما انتظرت رجوعه, لا تغفر له زلته خاصة عندما أخطأ وناداها باسم أختها التي هناك..
وهنا سؤال الخسارات الفردية في ظل العطاء العام, والذي يكون ثمنه باهظا على المرأة في المجتمعات الذكورية التي تكبلها بقيود الولاء والأعراف, ولا تقيم وزنا لعذاباتها وجفاف عمرها..
أما بعد
فنحن إزاء كاتبة تدرك معنى وقيمة الفن, وتدرك أيضا معنى الحياة.. تعتصر نفسها وتقتات على آلامها مبهوظة بخسران الحالة التي تعيشها وشعبها.. تعيش دوامة الذهول من فداحة الثمن المدفوع من اجل الحياة بشروط الحد المعقول والمقبول للحياة, تمتح من الواقع بدهشة المكتشف فتعيد إنتاجه وأسطرته بيسر لأن مفردات واقعها والفنتازيا السوداء صنوان, فتجتاز ممرات الألم الأسود مجبرة وكأنه قدرها في محرقة الصراعات غير المتكافئة, ولكنها تعتصم بأدوات الفن لتقديم نصوصا ترتفع عن الواقع قليلا لتعود إليه بكامل الوعي والوجد الفني دونما ابتذال أو التفاف على وعي القارئ, الذي تطمح أن يكون شريكها الأساس في العملية الإبداعية, تاركة له مساحات التأويل ومحاصرة له بالذكاء الفني ليلعب في مساحات قضيتها وأفكارها, من خلال وعيها بشروط الكتابة..
----
* والبحر يعطش أحيانا مجموعة قصص قصيرة لشاعرة والقاصة يسرا الخطيب إصدار دار شمس للنشر والتوزيع- القاهرة 2009
* يسرا الخطيب شاعرة وقاصة فلسطينية تقيم في غزة, صدر لها الكترونيا عدة أعمال شعرية وسردية
08-أيار-2021
14-نيسان-2018 | |
30-تموز-2015 | |
13-تشرين الأول-2012 | |
16-أيلول-2012 | |
18-نيسان-2012 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |