ريح وماء وحجر
ثقب الماء الحجر ،
والريح تنثر الماء ،
يوقف الحجر الريح.
ماء، ريح ، حجر..
تنحت الريح الحجر ،
حجر كوبا للماء ،
يهرب الماء وتهب الريح
حجر و ريح و ماء .
الريح تغني في دورانها ،
و رنين الماء تمر ،
والحجر الغير المتحرك ثابت
ماء و حجر و ريح..
كل واحدة هي الاخر و ليست الاخر
تعبر وتتلاشي
من خلال أسمائها الفارغة:
ماء و حجر و ريح
أوكتافيو باث
المصدر
?The Collected Poems of Octavio Paz, 1957-1987 (New Directions Publishing Corporation, 1987(
تحليل النص:
ان طبيعة نصوص شاعرنا المعروف أوكتافيو باث بشكل عام مرنة و في نفس الوقت معمقة أيضا، تحتمل أكثر من وجه للتحليل والفهم، ففي هذه القصيدة الرباعية علي سبيل المثال، يستعير الشاعر فنيا و بتقنية شعرية عالية عناصر مهمة من الجمادات، احيانا تنسجم مع البعض و أحيان أخري تتعارض، و في كلتا الحالتين و بهذه الحركات تكتمل معني الحياة من خلال الصراعات و التناغمات الوجودية.
ان الشاعر يصف في كل مقطع من مقاطع الاربعة لهذه القصيدة قدرة الرياح والمياه والحجر ويربط الثلاثة ببعضها البعض بطريقة معينة. بحيث نري ان هنالك انسجام متنوع في كل مقطع. و تكرار العناصر الثلاث في نهاية كل مقطع بترتيب مختلف يدل عل? مهنية الشاعر و قدرته الاستنباطية عل? اعطاء معان الغلبة لكل عنصر بشكل متفاوت و حسب احتكاكات الموجودة في كل مقطع، وينتهي كل مقطع بالكلمات الثلاث نفسها و لكن بترتيب مختلف. هنا يقارن الشاعر كل من عناصر الرياح والماء والحجر بقدرات الطرف الآخر لمعرفة ما هي الأقوى والأكثر قدرة في التغلب علي الاخر. عموما ان حركة هذه القصيدة تتجول حول ثيمة تأثير الطبيعة على كل شيء. تشير القصيدة إلى أن الرياح تغير الماء ولكن الحجر يمكن أن يكون ثابتا وأن الرياح يمكن أن تمر من خلال الماء أيضا. اذا انهم جميعا في اتصال متفاوت و متنافر دائما. وبما ان هذه العناصر مختلفة تماما عن البعض لكنها لا يمكن أن تبقي علي الوجود دون الاخر، أي بمعنى أنها مرتبطة جميعًا بالبعض بدلاً من تغليب الانفصال و الوحدة في علاقتها مع البعض، و في نفس الوقت ان كل عنصر من هذه العناصر لها مميزات و صفات مختلفة و لها اسماء معينة و طبيعة تكوينية مغايرة، الا اننا نري بعضها بشكل محسوس كالحجر و نشعر بالاخر دون ان نراها كالهواء والريح، و اما الماء فهو مصدر الحياة والخليقة علي الكوكب الارض، فبدونها لا تستمر دورة الحياة لأي كائن من الكائنات المتنوعة.
نعم يعتبر هذا النص نتاجا أدبيا مفتوحا و متعدد المعان لكونه مناسبا لكل زمان و مكان و لا يرتبط بأي شخصية و حدث ما، ولو قارنا و نزلنا الحركات المتفاوتة لهذه العناصر داخليا وخارجيا- علي حدة و مع البعض، سيكون بمقدورنا قراءة الشخصيات المختلفة للناس و معرفة الطريقة المثلي للتعامل مع الاخرين و هكذا نتحكم بسر العلاقات الاجتماعية الحميمية و نفهم حلول المشاكل العويصة عندما يحصل من حولنا، كما ان الفلاسفة القدماء قسموا طبائع النفوس البشرية الي أربعة أنواع: المائي والهوائي والناري والترابي..
اذا لو كانت العبرة بالاسماء لا بالمسميات فأن نهاية هذه القصيدة النادرة تذكرنا بمفارقة الانسان عن هذه العناصر الجمادية في الكون، اذ ان الانسان الموزون- البناء والايجابي ليس بفارغ و لا ينتهي دوره ولا يتلاشي وجوده بموته وكأنما لم يكن لە وجود اصلا، بل هو الفعال في الكائنات الاخري و له القول الفصل في اعمار الارض أو خرابها، و ستبقي انجازات الانسان حية حتي بعد موت صاحبها. وهكذا في المجتمعات المتحضرة للانسان أعل? قيمة في الوجود و حقوقە ضامنة من اجل خلق مجتمع متقدم و متماسك