Alef Logo
دراسات
              

فن المسامرة و المنادمة في قصص وليد إخلاصي / صالح الرزوق

صالح الرزوق

خاص ألف

2013-08-22

ينطلق وليد إخلاصي في قصصه الطويلة، و لا سيما بواكير هذا الشكل الفني لديه، و بالتحديد نصوص الثمانينات ( و أهمها مجموعة الأعشاب السوداء، 1980، ثم موت الحلزون، 1979)، من تفاصيل لحكاية، و هذا يعني ضمنا الاهتمام بالأصل الشفهي للقصة، باعتبار أنها مخصصة للمسامرة و المنادمة و لجلسات السهر الطويلة التي تحتاج لنوع من الروابط بين الحضور و لشيء من الانتباه أيضا.

إن معظم كتابات وليد إخلاصي تعتمد على الكتابة، على الكاتب الذي يعمل منفردا و ليس على الحكواتي و جمهور المستمعين. و إن قصصه الأولى أقرب للتمرينات و لنشاط الأحلام و لكن إن منعطف قصصه الطويلة أعاد الارتباط مع التقاليد الأساسية لفن الانتباه و شحذ حواس المستمعين و قد استعمل لتحقيق ذلك أسلوب تقسيم الشريط لللغوي ( كتلة النص) لمستويين:

- تفاصيل تغلب عليها الأفعال و الصور الواقعية.

- معاني تحتاج لتفسير و اجتهاد شخصي. و لذلك هي منوطة بالمستمع الذي تحول في عصر الطباعة لقارئ.

إن المعاني هي كل التصورات و التكهنات و مجمل نتائج الحدس و الفهم و الذي يأتي من طريقة تعاملنا مع الرموز و المحتوى النفسي و العموميات التي لها مشروعية في السياق غير المنصوص عنه الموجود في الخلفية.

و لتحديد أهمية هذه الأداة المختلف عليها، المحسوسة و لكن غير الظاهرة، يحب أن نحدد كيف تتدرج القصة في تغطية الأحداث. إن ذلك يحتاج لدراسة طول شريط اللغة و عمقه أيضا و هو ما يمكن أن نقيسه من خلال :

1- إحصاء و تحديد عدد الجمل الأساسية في فقرات ( مقاطع ) القصة clauses ( و يقابلها فنيا الفصول في الرواية و جزئيات عمود الشعر في القصيدة من وقوف على الأطلال و وصف مشاق الرحلة ثم الدخول في الموضوع).

2- عدد الجمل المتفرعة ( التشعبات الخاصة بالأفعال و التراكيب ) sentences.

3- و أخيرا عدد الكلمات في كل جملة على حدة words.

و باعتبار أن تغطية هذه الأدوات لكل النص مسألة تحتاج لوقت و قد تتسبب بالارتباك و الخطأ الإحصائي غير المقصود كان من المحبذ اختصار العينة لتكون بحدود أول و آخر 3 فقرات من ( قصة الأعشاب السوداء ص 7-47).

و من أول نظرة لهذا التحليل نلاحظ ارتفاع عدد الوحدات الأساسية ( المفردات) كلما اتجهنا من سطح التركيب إلى أعماقه. مع اختلاف بموضوع الحبكة. فهي تنتقل من الوصف المحايد للطبيعة لوصف العلاقة بين الأشخاص من معارف و أقارب و شبكة مصالح حتى تصل لنقطة التنوير أو نواة الحبكة و هي هنا الحروب الأهلية و حروب التحرير.

و هذا دليل إثبات بمنتهى الوضوح على أسلوب و اتجاه تطوير الحكاية:

من الرؤية العامة و البعيدة التي يكتنفها الغموض و عدم الدقة، نحو الرؤية القريبة و الخاصة و التي لا تترك شاردة و لا واردة من غير توضيح.

و بالعودة للنص نرى أن الفقرات تولي عنايتها لموضوعات يكون اتجاه السهم فيها كالتالي:

من العام للجزئي. و من القضايا الواسعة و العريضة و المشتركة إلى القضايا ذات الصلة بالتجربة الشخصية. و بالتحديد تتطور الحبكة على الشكل التالي:

فقرة1: وصف مسهب للطبيعة ص 9-41.

فقرة 2: علاقة الراوي مع ذاكرته و مع عاتكة ص14-18.

فقرة 3: علاقة الراوي مع مشاعر الأبوة و مع أمه و عاتكة ص18-23.

الجدول (1): و يقدم وصفا تفصيليا لعدد الجمل من الدرجة الأولى و الجمل المتعلقة بها و عدد كلمات كل جملة.















الجمل

ف1

ف2

ف3

الأساسية أ

3

4

5

الفرعية

4-1-3

1-3-8-1

7-3-2-2-4

الكلمات

17-5-14

9-17-22-5

17-11-8-7-32

نسبة الكلمات / الجمل

1.25-5-4.67

9-5.67-2.75-2.5

2.43-3.67-4-3.5-8

الأساسية ب

4

3

3

الفرعية

1-4-1-3

4-10-3

2-6-3

الكلمات

6-17-7-15

14-48-11

11-25-11

نسبة ك / ج

6-4.25-7-5

3.5-4.8-3.67

5.5-4.17-3.67






و من الجدول 1 ، و بلغة الأرقام، يمكن أن نلاحظ ازدياد عدد جمل الدرجة الأولى مع تطور أحداث القصة ( فهي ترتفع من 3 إلى 5 بالانتقال من فقرة 1 إلى 3).

و بالمثل يرتفع عدد الجمل الفرعية من 8-18 و عدد المفردات من 36-74.

و ما سلف بحد ذاته مؤشر على زيادة درجة الوضوح مع الإغراق بالتفاصيل. و قد كان يرفد ذلك الكلام عن الذكريات ( فقرة 2) و دمج ذكريات الماضي بالحاضر ( فقرة 3). فالسير الشعبية مثلا تبدأ بصورة عامة عن الجو و مناقب الأبطال و سرعان ما تدخل بالدسائس و أسبابها و الخلفيات البعيدة و الأثر النفسي مع شيء من التكرار لبعض الموتيفات، الأمر الذي يدل على مكانتها في الذهن و تأثيرها على عقلية و قلب المستمع.

***

و قد لاحظ والتر أونج تلك الظاهرة و سماها الترقيع. و قبله أطلق عليها بارت اسم الدمدمة.

و للتوضيح.

الترقيع هو ملء الفراغات التي لا تأخذ حقها في بداية الكلام. مثلا من هي عاتكة. و ما علاقتها بتمثال بوذا الذي يحتفظ به الراوي.

و الدمدمة هي البداية الغامضة و الضبابية للصور و الحالة النفسية قبل أن يأخذ السياق مجراه الطبيعي و يربط ما بين الشخصيات و الأحداث أو الرموز و المعاني. مثلا لماذا يهتم الراوي بالطبيعة الصامتة و بسواد الليل و لماذا يكثر من السهر حتى وقت متأخر. و أعتقد أن هذه البنية تعبر عن التناوب الأصيل بين خطوط الإضاءة ( الثقافة النهارية المبسطة و التي تطالعك بها الحكاية من أول نظرة)، و خطوط القوة التي تحتاج لبعض التفكير من أجل ربط الرموز بمعناها.

إن البدايات في القصص الطويلة لوليد اخلاصي هي بلاغيا في موقع المسند إليه، موضوع المعنى، و كل ما يأتي بعدها هو المسند ( أو الخبر) و هو الذي يتكفل بتوضيح و شرح الملابسات. و بعبارة أخرى.

إن هذه القصص مركبة و تتألف من عدة شرائح و لها اتجاه عكوس من نظام تمثيل اللغة بالمحاكاة لنظام ترميزها بالمجاز. و لقد أدى ذلك الى وعي مختلف بأهمية ظرف الزمان و المكان. ففي العينة( أ) تكاد لا تجد إحساسا بأهمية المكان و بالنظر للجدول 2 لا تستطيع أن تسجل أية إشارة تدل على الاهتمام بالمكان. إن أسماء المدن و الأحياء و البلدان و ما ينوب عنها من ظرف مكان و مواضع و ما شابه غائبة تماما.

و بالمثل إن ظروف الزمان في نفس الفقرة ( أ ) تسجل حضورا في نطاق محدود لو قارنتها بالفقرة ( ب ). و هذا دليل على عمومية البداية و خصوصية الخاتمة. مع الإشارة ضمنا للبعد الشمولي للنص، فهو يتناول موضوعا إنسانيا يمكن أن ينطبق على كافة المراحل و على كل أرجاء النواحي و الأمكنة.

و من جدول 2 تلاحظ أن فقرة ( أ ) تنص على ظرف الزمان 5 مرات مقابل 7 مرات في الفقرة ( ب ).


جدول 2 توزيع ظروف الزمان و المكان















طول شريط اللغة

ظرف زمان

ظرف مكان

أداة التشبيه

مجاز مرسل

حروف العطف

الاسم الموصول

أ

ف1: 36

-

-

-

3

3

-

ف2 : 53

3

-

1

1

3

2

ف3: 75

2

-

1

6

5

1

ب

ف1 : 45

4

1

-

1

2

2

ف2 : 74

2

-

-

6

5

2

ف3 : 47

1

-

1

2

1

2





***

إن مثل هذه الإشارات تؤكد مجددا على حساسية خاصة لها علاقة بالتواتر و الاستطراد. حيث أن البداية تكون غير محددة فلا نعرف المكان و لا فترة وقوع الأحداث و يغلب عليها تصوير المشاهد العامة و ليس الحوار و لا السرد. ثم سرعان ما تنعكس الآية و ندخل في التفاصيل الأخرى.

و يترتب على ذلك توزيع غير عادل لأدوات الكتابة. ففي الفقرة ( أ ) يهبط عدد الأسماء الموصولة و يرتفع عدد حروف العطف الأمر الذي يدل على بساطة متناهية في التراكيب. و تكون الجمل من الدرجة الأولى و قصيرة.

و قل نفس الشيء عن الاستعارات. فهي ذات حضور أكبر في ( ب ) و تصل درجة قوتها إلى 79.25 % بالمقارنة مع 63.6 % في ( أ ).

لقد كان وليد إخلاصي مؤمنا بقصة الكاتب، و هذا هو ديدنه في معظم أعماله. فقد قدم لنا أقاصيص تتألف من مستوى واحد من الأحداث و من مفردات متجانسة و قليلة الاشتقاقات من غير اجتهاد لا في تعريبها و لا تركيبها. إنها مفردات مباشرة موجودة أصلا لتعبر عن معناها في السياق.

و يصدق ذلك على نماذج الحداثة المفرطة بالغموض و التجريب مثل قصص التقرير و يا شجرة يا و النماذج الواقعية المفرطة بالوضوح في الأداء مثل قصص ما حدث لعنترة و دماء في الصبح الأغبر...

و لكنه بين هذين الفضائين كان محتارا في موضوعاته و أسلوبه. لقد لجأ في السنوات الخمسة الأولى من الثمانينات إلى ما أسميه بقصة المتكلم. عدا عن أنها طويلة كانت تتألف من كولاج فني.

- موضوع قومي له خلفيات وطنية. إنه موضوع عابر للحدود و تبرره الاهتمامات السياسية العامة التي حولت ساحة المعركة من تحرير الأرض السليبة لتحريرالإرادة و المجتمعات المرتدة.

و أقرب مثال على ذلك الحرب الأهلية في بيروت ( انظر قصة الأعشاب السوداء تحديدا)، و إلى حد لا بأس به رواية ( الحنظل الأليف ) و هي رواية قصيرة و تأتي في حدود المرويات الشفاهية التي تعول على نشاط المتكلم. و كان موضوعها الصراع الأهلي المسلح على السلطة في سوريا و اقتتال الأخوة الأعداء: أهل الرسالة و الإيديولوجيا و رؤوس الأموال و التجار).

- و من ناحية الأسلوب إنها قصص تجريبية تدين للذهن الحديث بكل ما لديها و لا تغامر بالتضحية بالخلفيات الواقعية. لقد كانت تجربة متميزة أهم ما فيها المجاز و الاستعارات.

و كانت تقفز من فوق بعض المفردات الخاصة بالأدب الواقعي كاسم المكان و الفترة أو الحقبة و لكن تترك على الدرب بعض نقاط الإضاءة. و لا تنسى أن تخاطب العواطف المحلية و نوازع الحنين لبعض الشخصيات. و في المقدمة الشيخ العلامة خير الدين الأسدي. غير التصوف و دائرته اللامتناهية في الرحلة من المضمون الجهادي للكلمة إلى مغزاها التنويري و النهضة، كان يرسم علاقة تراحم مع المكان، علاقة عاطفة تنقلك من الدور الضروري لقانون الأب إلى الدائرة العاطفية و الملتهبة و هي الأم حيث يكون الصراع بين الشك و الإيمان على أشده.

و هو صراع درامي و غير شعوري و تكتنفه عدة محظورات و أسئلة.

هل الولادة هي قطيعة فنية مع الحداثة. و هل معترك الحياة هو انخراط فني مع شروط التفكير الواقعي.

و هل إن الأمومة إظلام و قانون الأب نهضة و استنارة.

لقد كانت مثل هذه الأسئلة هي التي تسبب تطوير الحبكة في قصصه الطويلة و رواياته في الثمانينات. و هي التي وضعته في مجال يصعب خلاله أخذ القرار الحاسم و برأي ذلك موطن قوة في الأسلوب.



آب 2013












































































































































































تعليق



صباح الأنباري

2013-08-22

قرأت المقال ولم اتحمس له.. انه مكتوب للمؤلف وليس لنا كقراء. هذه الجداول والبيانات لم أحبها صراحة يوم قرأتها في السبعينات على الرغم من أنني استخدمتها في بعض كتاباتي. خاصة عن قصص الراحل محي الدين زنگنه..انها تشير الى براعة الكاتب وقدرته على اجتراح بني النص ومهارته في تطبيق مفرداتهاعلى النص. ولكنه في الوقت نفسه يضعنا على موضع بعيد عن النص أحياناً.

أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

مقتطفات من : كافكا في المحاكمة الأخرى بقلم : إلياس كانيتي ترجمة :

17-نيسان-2021

قصائد مختارة لمارلين مونرو

03-تشرين الأول-2020

قصة / كانون الأول / كريستال أربوغاست

12-أيلول-2020

مدينة من الغرب اقصة : تميم أنصاري ترجمة

22-آب-2020

قصائد لهنري راسوف ترجمة :

20-حزيران-2020

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow